
ديلي سبورت عربي – إنجلترا
قليل من أندية الدوري الإنجليزي يمكنها أن تفتخر بتاريخٍ يجمع بين البدايات العريقة والمجد الأوروبي الحقيقي، والهبوط الطويل، ثم العودة من العتمة. نوتنغهام فورست هو أحد تلك الأندية. فريق يملك إرثًا لا يُقارن من البطولات والرمزية، ورغم أن العصر الحديث لم يكن كريمًا معه، إلا أن تاريخه لا يزال يُلهم الأجيال، ويحمل وعدًا بأن العودة ممكنة دائمًا.
البدايات العريقة في الدوري الإنجليزي (1865–1900)
تأسس نادي نوتنغهام فورست عام 1865، أي قبل إنشاء الدوري الإنجليزي نفسه، ليكون من أقدم أندية العالم. بدأ كلعبة هواة، لكنه سرعان ما أصبح كيانًا رياضيًا رسميًا يشارك في كأس الاتحاد الإنجليزي ويترك بصمته.
في عام 1892، انضم الفريق إلى دوري كرة القدم الإنجليزي، وحقق كأس الاتحاد الإنجليزي لأول مرة عام 1898 بفوزه على ديربي كاونتي في النهائي بنتيجة 3–1، لتبدأ رحلته كمنافس حقيقي.
فترات متقطعة من النجاح (1900–1960)
لم يتمكن فورست من تثبيت نفسه كقوة دائمة خلال النصف الأول من القرن العشرين، حيث تباينت نتائجه بين الدرجتين الأولى والثانية. وقد شهدت هذه الحقبة ركودًا في الألقاب، لكنها كرست مكانة النادي كأحد الفرق صاحبة القاعدة الجماهيرية الواسعة في إنجلترا، خاصة في منطقة ميدلاندز.
ملعب النادي “City Ground” الذي تم افتتاحه عام 1898، ظل عنصرًا أساسيًا في هوية الفريق، ومصدرًا للفخر لدى الأنصار.
صعود أسطوري في السبعينيات: حقبة براين كلاف
إذا كان تاريخ نوتنغهام فورست يُختصر في فترة واحدة، فإنها بلا شك فترة المدرب الأسطوري براين كلاف. حين تولى كلاف تدريب الفريق عام 1975، كان النادي في الدرجة الثانية، لكنه حوّله خلال 5 سنوات فقط إلى بطل إنجلترا وأوروبا.
في موسم 1976–77، صعد الفريق إلى دوري الدرجة الأولى. وفي الموسم التالي مباشرة، تُوّج بلقب الدوري الإنجليزي لأول مرة في تاريخه (1977–78)، وهي مفاجأة مدوية جعلت العالم يلتفت إليه.
ثم جاءت القفزة الكبرى، حين فاز الفريق بلقب دوري أبطال أوروبا (كأس أوروبا) في موسمين متتاليين:
-
1978–79 بالفوز على مالمو السويدي
-
1979–80 بالفوز على هامبورغ الألماني
بهذين الإنجازين، أصبح فورست واحدًا من الأندية القليلة جدًا التي فازت بدوري الأبطال أكثر من مرة رغم أنه لم يحقق لقب الدوري المحلي سوى مرة واحدة فقط.
براين كلاف، بمعيته المساعد بيتر تايلور، بنى فريقًا أسطوريًا ضم لاعبين كبار مثل جون روبرتسون، تريفور فرانسيس، والحارس بيتر شيلتون.
اقرأ أيضاً: الدوري الإنجليزي 2025/2026.. وست هام يونايتد: بين مطرقة التقاليد وسندان التحديات

ما بعد المجد: التراجع والبقاء في الذاكرة (1980–1993)
رغم بقاء فورست في مصاف أندية النخبة بعد الألقاب الأوروبية، إلا أنه لم يستطع تكرار النجاح نفسه. وصل الفريق إلى نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي في 1991، وخسره، كما حل وصيفًا في كأس الرابطة عدة مرات.
براين كلاف استمر مع الفريق حتى عام 1993، لكن سنواته الأخيرة شهدت تراجعًا كبيرًا في النتائج، وانتهت بهبوط الفريق إلى الدرجة الثانية.
رغم هذا التراجع، ظل اسم كلاف محفورًا في تاريخ الكرة العالمية كأحد أعظم المدربين في تاريخ اللعبة، والنادي احتفظ بهيبته رغم الأزمات.
عقود التيه والعودة المتأخرة (1993–2022)
منذ عام 1993 وحتى صيف 2022، قضى نوتنغهام فورست ما يقرب من 30 عامًا في الدرجتين الثانية والثالثة. لم يكن الفريق قادرًا على الاستقرار الفني أو الإداري، رغم أنه خرج عدد من النجوم من أكاديميته أمثال مايكل داوسون، جيرمين جيناس وآندي ريد.
عانى الفريق من أزمات مالية، تغيّر مالكون ومدربون، واختفت صورته الأوروبية القديمة. لكن الجماهير لم تتخلَّ عنه أبدًا. في كل موسم، كان معدل الحضور الجماهيري من بين الأعلى في التشامبيونشيب.
في 2016، استحوذ رجل الأعمال اليوناني إيفانغيلوس ماريناكيس (مالك أولمبياكوس) على النادي، وبدأ مشروعًا طويل الأمد لاستعادة النادي لمكانته.
العودة إلى البريميرليغ (2022)
في موسم 2021–22، قاد المدرب الشاب ستيف كوبر الفريق لصعود أسطوري من المركز الأخير إلى نهائي ملحق التأهل. وفي مايو 2022، فاز فورست على هدرسفيلد تاون بهدف نظيف في “مباراة الأغلى في العالم”، ليعود إلى البريميرليغ بعد غياب دام 23 عامًا.
العودة كانت احتفالية ضخمة في مدينة نوتنغهام، وبدأت الإدارة بضخ الأموال لإعادة بناء الفريق.
عناوين قد تهمك:
-
الدوري الإسباني 2025/2026.. سيلتا فيغو: فارس الشمال الإسباني بين المجد الموعود والحظ العاثر
-
الدوري الإسباني 2025/2026.. ديبورتيفو ألافيس: من شوارع فيتوريا إلى نهائي أوروبا

البقاء والهيكلة في الدوري الممتاز (2023–2025)
رغم التوقعات بهبوط فوري، نجح فورست في موسم 2022–23 في تفادي الهبوط، بفضل تعزيزات مثل تايوو أونيي، برينان جونسون، وجيسي لينغارد. وقد أظهر الفريق قتالية كبيرة رغم عدم الاستقرار التكتيكي.
في موسم 2023–24، أنهى الفريق الموسم في المركز 15، وتابع البناء بصفقات ذكية ومحدودة، مستفيدًا من خبرات الموسم الأول.
أما في موسم 2024–25، فقد دخل فورست الموسم بطموح واضح للبقاء المريح، مع التركيز على تطوير البنية التحتية والأكاديمية، وإعادة بناء صورة الفريق في أوروبا عبر مشاركات مستقبلية محتملة في الكؤوس المحلية.
الشعار، القميص، والهوية
يحمل شعار النادي شجرة وصمغًا يرمزان إلى غابة شيروود القريبة (Sherwood Forest) المرتبطة بأسطورة روبن هود، رمز المدينة.
ألوان الفريق الأساسية هي الأحمر والأبيض، ويشتهر بلقب “The Tricky Trees”. ملعب الفريق “سيتي غراوند” لا يزال من بين أكثر الملاعب التاريخية، ويشهد دائمًا أجواء جماهيرية استثنائية.
نوتنغهام فورست ليس فقط نادٍ كروي، بل ذاكرة حية لكرة القدم الحديثة. من قاع الهبوط إلى قمة أوروبا، ثم إلى عقود من النسيان، وعودة متجددة في ظل الطموح والولاء، تظل قصته إحدى أكثر القصص إثارة في عالم الرياضة.
هو مثال على أن المجد لا يُقاس فقط بالحاضر، بل بالتاريخ، والعزيمة، والجماهير التي لا تفقد الأمل… حتى لو نامت الأسطورة، فإنها لا تموت.




