
ديلي سبورت عربي – إنجلترا
بين ضجيج أندية الدوري الإنجليزي في لندن الكبرى مثل تشيلسي، آرسنال، وتوتنهام، يظل نادي فولهام هو الوجه الآخر للهدوء الإنجليزي الساحر؛ نادٍ عريق بأسلوبه المحافظ، وجذوره العميقة في مجتمع راقٍ، لكنه لم يرضَ أبدًا أن يكون ظلًا للآخرين. فولهام هو نادي الضفة الهادئة لنهر التايمز، وصاحب واحدة من أقدم الحكايات في كرة القدم الإنجليزية.
التأسيس والنشأة في الدوري الإنجليزي (1879–1907)
تأسس فولهام عام 1879 تحت اسم “St. Andrew’s Cricket & Football Club”، ما يجعله أقدم نادٍ محترف في لندن. وقد استقر اسمه على “Fulham Football Club” في 1888، وبدأ مسيرته في الدرجات الدنيا، قبل أن ينضم إلى دوري كرة القدم الإنجليزي رسميًا في عام 1907.
ومنذ تلك الحقبة، تميز فولهام بأناقته وعلاقته الوثيقة مع المجتمع المحلي في حي فولهام، ذي الطابع الأرستقراطي المحافظ.
كرافن كوتيج: أيقونة الزمن الجميل
يُعد ملعب كرافن كوتيج (Craven Cottage) من أبرز معالم النادي. يقع على ضفاف نهر التايمز، ويتميز بمدرجاته الكلاسيكية والبوابة الخشبية العريقة، ليكون بمثابة “تحفة معمارية” في قلب لندن. يلعب فولهام فيه منذ عام 1896، وهو من أقدم الملاعب المستخدمة في إنجلترا حتى اليوم.
الفترات الأولى: الكفاح دون ألقاب (1907–1970)
رغم ظهوره المبكر، لم يتمكن فولهام من فرض نفسه كقوة كروية في إنجلترا. في الغالب، تنقّل بين الدرجتين الأولى والثانية، مع بعض المشاركات اللافتة في كأس الاتحاد الإنجليزي.
أبرز لحظات هذه الفترة كانت الوصول إلى نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي عام 1975، لكنه خسر أمام وست هام يونايتد بنتيجة 2–0. تلك المباراة شكّلت ذروة الحلم لجماهير النادي آنذاك، لكنها لم تتحقق.
في تلك الفترة، لمع اسم الأسطورة الإنجليزية جوني هايْنس، والذي يُعد أحد أعظم لاعبي النادي، وقاد فولهام لأفضل سنواته في الستينيات.
اقرأ أيضاً: الدوري الإنجليزي 2025/2026.. نوتنغهام فورست: الأسطورة النائمة التي لم تُنسَ

الثمانينيات والتسعينيات: الغياب والضياع
كانت فترة الثمانينيات والتسعينيات الأصعب في تاريخ فولهام. عانى الفريق من أزمات مالية وإدارية، وكاد يهبط إلى الدرجات الدنيا عدة مرات، حتى أن خطر الاندثار كان واردًا.
في بداية التسعينيات، كان فولهام يلعب في الدرجة الثالثة، دون أي أفق واضح، حتى جاء التغيير الكبير الذي غيّر مصير النادي بالكامل.
بداية العصر الذهبي – محمد الفايد (1997–2001)
في عام 1997، استحوذ رجل الأعمال المصري محمد الفايد على النادي، وبدأ مشروعًا طموحًا لإعادته إلى النخبة. ضخ أموالًا كبيرة، وعيّن كيفن كيجان مدربًا، تبعه الفرنسي جان تيغانا، لتنطلق رحلة الصعود.
في موسم 2000–01، تُوّج فولهام بلقب الدرجة الأولى (التشامبيونشيب)، ليعود إلى الدوري الإنجليزي الممتاز لأول مرة منذ 1968.
البقاء في البريميرليغ: من الكفاح إلى الاستقرار (2001–2010)
منذ عودته إلى البريميرليغ، أثبت فولهام أنه ليس ضيفًا عابرًا. حافظ على مكانه لعدة مواسم متتالية، وحقق انتصارات لافتة على فرق كبرى.
الفترة الذهبية جاءت مع المدرب روي هودجسون، الذي قاد الفريق إلى أروع إنجاز أوروبي في تاريخه. ففي موسم 2009–10، بلغ فولهام نهائي الدوري الأوروبي بعد إقصائه لأندية مثل يوفنتوس، فولفسبورغ، وشاختار.
ورغم خسارته النهائي أمام أتلتيكو مدريد بهدفين لهدف بعد التمديد، بقي هذا الإنجاز أبرز لحظة أوروبية في تاريخ النادي، وكشف عن قيمة مشروعه الفني.
عناوين قد تهمك:
-
الدوري الإنجليزي 2025/2026.. وست هام يونايتد: بين مطرقة التقاليد وسندان التحديات
-
الدوري الإسباني 2025/2026.. سيلتا فيغو: فارس الشمال الإسباني بين المجد الموعود والحظ العاثر

السنوات التالية: تذبذب وهبوط (2011–2018)
بعد رحيل هودجسون، دخل فولهام مرحلة من التراجع الفني. توالى المدربون، وتراجع الأداء، ليهبط الفريق في موسم 2013–14 إلى التشامبيونشيب.
مرت سنوات تذبذب بين محاولات فاشلة للعودة، وأزمات إدارية، حتى جاء موسم 2017–18 بقيادة المدرب الصربي سلافيسا يوكانوفيتش، حيث حقق الفريق الصعود بعد الفوز على أستون فيلا في نهائي ملحق التأهل.
لكن موسم 2018–19 في البريميرليغ كان مخيبًا، وهبط الفريق مجددًا، في سيناريو تكرر أكثر من مرة خلال الأعوام التالية.
فولهام والعودة الدائمة: 2020–2023
بات فولهام معروفًا بلقب “نادي المصعد”، لكثرة صعوده وهبوطه في السنوات الأخيرة. فقد صعد موسم 2019–20 عبر ملحق التأهل، ثم هبط موسم 2020–21، ليصعد مرة أخرى في 2021–22 تحت قيادة المدرب البرتغالي ماركو سيلفا.
وفي موسم 2022–23، قدم فولهام أداءً لافتًا، أنهى به الدوري في المركز العاشر، وهو أعلى مركز له منذ 2011، مع بروز مهاجمه الصربي ألكسندر ميتروفيتش الذي سجل أكثر من 14 هدفًا.
موسم 2024–2025: بين الاستقرار والطموح الأوروبي
دخل فولهام موسم 2024–25 بهدف رئيسي: الحفاظ على مكانه في البريميرليغ وتثبيت مشروع ماركو سيلفا. ومع صفقات متوازنة، أبرزها التعاقد مع لاعبين شبان من أمريكا الجنوبية، وتحسين منظومة الدفاع، يبدو الفريق في طريقه لإنهاء الموسم في مركز متوسط.
يراهن النادي على الاستدامة الرياضية، والتركيز على تطوير أكاديميته، مع تحسين البنية التحتية في ملعب كرافن كوتيج الذي شهد توسعة جديدة في المدرج الرئيسي.
هوية النادي ورموزه
يرتدي فولهام الألوان التقليدية: الأبيض والأسود، ويُعرف بلقب “The Cottagers” نسبة إلى اسم ملعبه الشهير. من أبرز أساطيره: جوني هاينز، بوبي زامورا، كلينت ديمبسي، وألكسندر ميتروفيتش.
ويمثل النادي فخرًا لسكان فولهام وبارسونز غرين والمناطق الهادئة غرب لندن، كونه نادٍ تاريخي يجمع بين العراقة والاحترام، دون صخب الأندية التجارية الكبرى.
فولهام ليس النادي الأكثر تتويجًا، لكنه أحد أعرق الفرق في إنجلترا. قصة نادٍ قاوم التهميش، واحتفظ بطابعه الخاص. نادٍ عرف كيف ينهض كل مرة، ويحافظ على كرامته في وجه التحديات. هو نادي “الطبقة الراقية ذات الروح الشعبية”، الذي يثبت دومًا أن الأناقة يمكن أن تكون سلاحًا للبقاء… والارتقاء.




