
ديلي سبورت عربي – إسبانيا
في مدينة مدريد والدوري الإسباني، حيث يهيمن كلٌّ من ريال مدريد وأتلتيكو على المشهد، ينبض قلب ثالث، مختلف في كل شيء… في الهوية، في النضال، وفي الحلم.
نادي رايو فايكانو، الذي تأسس في حيّ فاييكاس الشعبي عام 1924، يعود مجددًا إلى الليغا لموسم 2025–2026، كواحد من أبرز الأندية التي تُجسّد الروح الكروية الشعبية والنضالية في إسبانيا.
النشأة والتأسيس: ولادة الحلم من رحم البساطة في الدوري الإسباني
وُلد رايو فايكانو يوم 29 مايو 1924، في منزل السيدة برودينثيا برييغو، زوجة الرئيس الأول للنادي خوليان ووييرتا. كانت البدايات متواضعة، لكن الحلم كان كبيرًا. وفي عام 1949، وبعد اتفاق مع نادي أتلتيكو مدريد، تمّت إضافة الخط الأحمر القطري على القميص الأبيض، مستوحًى من نادي ريفر بليت الأرجنتيني، ليصبح زي رايو أيقونة بصرية تميز النادي حتى يومنا هذا.
نادي “اليويو”: صعود وهبوط لا ينتهي
منذ بداياته، كان رايو فايكانو أحد أندية “اليويو” في إسبانيا، يتنقّل بين الليغا و”سيغوندا” في مسيرة مليئة بالتقلّبات. عرف النادي أسوأ لحظاته في موسم 1983–1984 حين هبط إلى الدرجة الثالثة، لكنه سرعان ما عاد للظهور في الساحة، رغم تواضع الموارد وغياب الدعم المؤسسي الكبير.
وفي عام 2001، حقق رايو إنجازًا فريدًا بوصوله إلى ربع نهائي كأس الاتحاد الأوروبي (الدوري الأوروبي حاليًا)، بعد أن شارك في البطولة من بوابة “اللعب النظيف”. كانت تلك الفترة من أزهى مراحل النادي، لكنها لم تدم طويلًا.
عقد من المعاناة: السقوط والعودة
شهد العقد الأول من الألفية الجديدة انهيارًا ماليًا وفنيًا، حيث هبط النادي إلى الدرجة الثالثة في 2004، وظل هناك لأربع سنوات. ومع وصول المدرب الشهير ميشيل في 2005، بدأت ملامح العودة تتشكل. ففي موسم 2007–2008، صعد رايو إلى الدرجة الثانية بعد تخطيه فريقي بني دورم وزامورا في التصفيات.
بقي الفريق قريبًا من المراكز المؤهلة للصعود، حتى جاء موسم 2010–2011 ليعود إلى الليغا من جديد، رغم أزمة مالية حادة كادت أن تعصف به.
اقرأ أيضاً: الدوري الإسباني 2025/2026.. ريال أوفييدو: عودة تاريخية بعد غياب دام 24 عامًا

بين الليغا والسيغوندا: تقلبات متكررة
منذ عودته إلى الليغا في 2011، دخل رايو في دوامة الصعود والهبوط، لكنه لم يتخلَ عن هويته القتالية أبدًا. قضى خمسة مواسم متتالية في الدرجة الأولى، ثم هبط في 2016، ليعود مرة أخرى في 2018 كبطل دوري الدرجة الثانية.
لكن السقوط عاد سريعًا في 2019، ثم جاءت فترة جديدة بقيادة المدرب أندوني إيراولا، الذي قاد الفريق إلى الصعود في 2021–2022، واستطاع أن يضع بصمة لافتة، حيث قاد رايو للوصول إلى نصف نهائي كأس الملك للمرة الأولى منذ 40 عامًا، ولإنهاء موسم الليغا في المركز الثاني عشر رغم توقعات الهبوط المبكر.
جماهير رايو: حناجر المقاومة
ما يميز رايو فايكانو ليس فقط نتائجه أو إنجازاته، بل جماهيره. تعد جماهير رايو من بين الأكثر وعيًا سياسيًا واجتماعيًا في أوروبا. ترتبط القاعدة الجماهيرية بقيم اليسار، وتتبنّى مواقف إنسانية واضحة، مثل التبرع لمساعدة المشردين، أو مقاطعة بعض اللاعبين بسبب مواقف سياسية مثيرة للجدل، كما حصل مع الأوكراني زوزوليا في 2017.
وفي عام 2014، قدم الفريق دعمًا مباشرًا للسيدة كارمن، وهي مسنّة تم طردها من منزلها، حيث أعلن المدرب باكو خيميز آنذاك تبني النادي لمصاريفها السكنية مدى الحياة.
ملعب فاييكاس: قلبٌ صغير يضجّ بالحياة
يقع ملعب “كامبو دي فوتبول دي فاييكاس” في شارع باياسو فوفو، ويتسع لـ 14,708 متفرج فقط، ما يجعله من أصغر ملاعب الليغا. ومع ذلك، فإن أجواءه الحماسية وصوت جماهيره لا يقلّان صخبًا عن أي ملعب كبير. وعلى الرغم من وعود متكررة لتجديده أو بناء ملعب جديد، فإن المشروع ظلّ حبيس الأدراج حتى عام 2025.
عناوين قد تهمك:
-
الدوري الإنجليزي 2025/2026.. بيرنلي.. من أول مؤسسي الكرة الإنجليزية إلى صعود ملحمي جديد في 2025
-
الدوري الإسباني 2025/2026.. ليفانتي: من شاطئ “البلاتييتا” إلى معركة البقاء والهوية

طموحات المستقبل: البقاء ليس كافيًا
رغم فرحة الصعود، يدرك رايو فايكانو أن التحدي الأكبر يبدأ الآن. الفريق لا يملك الموارد المالية الضخمة، لكنه يملك شيئًا لا يُشترى: هوية واضحة، جماهير وفية، ومدرسة لعب جماعية منضبطة.
الهدف في الموسم القادم سيكون الحفاظ على البقاء في الليغا، ومحاولة تثبيت موقع الفريق في منتصف الترتيب، وربما اقتناص فرصة للمنافسة على مركز مؤهل لأوروبا، خصوصًا أن الفريق ضمن المشاركة في ملحق دوري المؤتمر الأوروبي بعد حلوله ثامنًا في الموسم الماضي.
رايو فايكانو ليس مجرد نادٍ لكرة القدم، بل حالة اجتماعية وثقافية تعكس نبض حيّ شعبي في قلب مدريد. في زمن تسود فيه الأندية العملاقة بأساطيلها الاقتصادية، يطلّ رايو كرمز للمقاومة والصمود. وصعوده إلى الليغا هذا العام ليس مجرد رقم إحصائي… إنه انتصار لمدرج لا يعرف الصمت، ولن يعرف التراجع.




