
ديلي سبورت عربي – إسبانيا
في مدينة تهيمن عليها عملاقا العاصمة ريال مدريد وأتلتيكو، نشأ نادي خيتافي كفكرة بسيطة ومتواضعة، لكنه سرعان ما أصبح أحد أبرز أندية الظل في الدوري الإسباني. من تأسيس متكرر وانبعاث من تحت الركام، إلى صعود مفاجئ ومشاركات أوروبية مشرفة، تشكل مسيرة خيتافي قصة كفاح مستمرة من أجل البقاء والتميز في الليغا.
البدايات المتواضعة والتأسيس الرسمي والمشاركة في الدوري الإسباني
تعود أصول نادي خيتافي إلى عام 1923، حين ظهر نادٍ رياضي في ضاحية خيتافي جنوب مدريد. لكن بعد تعثرات متكررة وحل الأندية المحلية، تأسس نادي خيتافي لكرة القدم (Getafe Club de Fútbol) رسميًا بصيغته الحديثة في 8 يوليو 1983. وقد جاء هذا التأسيس كامتداد معنوي للنادي السابق “Club Getafe Deportivo” الذي اختفى لأسباب مالية.
منذ نشأته، لعب خيتافي في الدرجات الدنيا من الكرة الإسبانية، وكان ناديًا صغيرًا بلا طموحات كبيرة، لكنه حافظ على روح المنافسة والانتماء لمجتمعه المحلي، وهو ما كان كافيًا في تلك المراحل المبكرة.
رحلة الصعود التدريجي (1983–2004)
قضى خيتافي عقدين من الزمن متنقلاً بين الدرجتين الثالثة والثانية، دون أن يشكل تهديدًا حقيقيًا للكرة الإسبانية الكبرى. لكن منذ أواخر التسعينيات، بدأ النادي ببناء نفسه تنظيميًا وإداريًا بشكل أفضل، وظهر مشروع طموح يهدف إلى الوصول إلى دوري الدرجة الأولى.
وجاء الحلم الكبير في موسم 2003–04، حين تأهل خيتافي للمرة الأولى في تاريخه إلى الليغا بعد احتلاله أحد المراكز المؤهلة من الدرجة الثانية. هذا الصعود شكل بداية جديدة لنادٍ صغير لكنه مصمم على البقاء.
سنوات البقاء والتأقلم في الليغا (2004–2010)
رغم التوقعات التي رافقت خيتافي في موسمه الأول بالليغا، والتي رشحته للهبوط، إلا أن الفريق فاجأ الجميع بصلابته.
وبفضل مدربه الألمعي بردراج ميجيتوفيتش، ثم لاحقًا تحت قيادة لورنزو سيرّا فيرير، بدأ النادي في ترسيخ نفسه بين الكبار.
وكانت أبرز لحظات هذه الفترة الوصول إلى نهائي كأس ملك إسبانيا مرتين متتاليتين في موسمي 2006–07 و2007–08،
حيث خسر الأولى أمام إشبيلية بركلات الترجيح، والثانية أمام فالنسيا. ورغم عدم التتويج، فإن الأداء البطولي آنذاك،
بما في ذلك الفوز الساحق على برشلونة بنتيجة 4–0 في نصف النهائي، ترك أثرًا في الذاكرة الجماعية للكرة الإسبانية.
الظهور الأوروبي الأول والهوية القتالية (2007–2010)
بلغ خيتافي ذروة طموحه في تلك المرحلة حين تأهل إلى الدوري الأوروبي لأول مرة موسم 2007–08.
وقدّم أداءً رائعًا، تخطى به مراحل المجموعات، ثم أخرج بنفيكا البرتغالي، ليصل إلى ربع النهائي حيث خرج بشق الأنفس أمام
بايرن ميونيخ في واحدة من أكثر المباريات إثارة في تاريخ النادي (تعادل 3–3 بعد التمديد في الإياب).
في هذه المرحلة، بدأت تتشكل هوية خيتافي كفريق يعتمد على الصلابة الدفاعية والانضباط التكتيكي، بقيادة لاعبين مثل روبن دي لا ريد، كاتا دياز، وفرناندو ميليغو.
اقرأ أيضاً: الدوري الإسباني 2025/2026.. جيرونا: رحلة من اللامعروف إلى دوري الأبطال

صراعات البقاء وتبدّل الإدارات (2011–2016)
دخل خيتافي في مرحلة عدم استقرار، شهدت تغييرات متكررة على مستوى الإدارة الفنية والرئاسة.
وعلى الرغم من قدرته على البقاء في الليغا خلال أغلب المواسم، إلا أن الأداء بدأ يتراجع تدريجيًا.
في موسم 2015–16، هبط الفريق إلى الدرجة الثانية بعد 12 موسمًا متتاليًا في الليغا، في نتيجة اعتبرها كثيرون متوقعة بالنظر إلى غياب المشروع الرياضي الواضح.
صعود جديد وبداية عصر بوردالاس (2017–2020)
بعد موسم واحد فقط في الدرجة الثانية، عاد خيتافي سريعًا إلى الليغا بقيادة المدرب خوسيه بوردالاس (José Bordalás)،
الذي سرعان ما صار أحد أعمدة مشروع النادي. بوردالاس أعاد بناء الفريق على أسس صلبة: خط دفاع منظم،
وسط ملعب مقاتل، وهجوم يعتمد على المرتدات والفعالية.
في موسم 2018–19، حقق خيتافي إنجازه الأكبر حين أنهى الدوري في المركز الخامس، متفوقًا على فرق مثل إشبيلية وبلباو، وتأهل إلى الدوري الأوروبي مجددًا.
المشاركة الأوروبية والتحديات (2019–2021)
في موسم 2019–20، واصل خيتافي تألقه الأوروبي، وبلغ دور الـ16 في الدوري الأوروبي، بعد أن أطاح بأياكس أمستردام، أحد أبرز فرق القارة، قبل أن يخرج أمام إنتر ميلان.
لكن مع بداية جائحة كورونا، تأثر النادي ماليًا وتنظيميًا، وبدأ الفريق بالتراجع تدريجيًا. وفي موسم 2020–21،
نجا الفريق من الهبوط بصعوبة، لينفصل لاحقًا عن بوردالاس، وسط جدل واسع بين الإدارة والجماهير.
العودة إلى الجذور واستقرار جديد (2022–2025)
في خطوة مفاجئة، أعاد النادي بوردالاس إلى القيادة الفنية في 2023، في محاولة لاستعادة الاستقرار.
وبالفعل، نجح الفريق في موسمي 2023–24 و2024–25 في إنهاء الدوري في مراكز آمنة (المركز 12 ثم 13)، رغم الصعوبات المالية ومحدودية الإمكانيات.
أبرز نجوم الفريق خلال هذه الفترة كان بورخا مايورال، الذي قدّم مستويات ممتازة وسجل أكثر من 15 هدفًا في موسم 2023–24.
كما ظهر اللاعب الشاب كويا دا كوستا كأحد مفاجآت الموسم 2025، قادمًا من الفريق الرديف ليخطف الأنظار بمردوده الفني والبدني.
عناوين قد تهمك:
-
الدوري الإنجليزي 2025/2026.. فولهام: نادي الضفة الهادئة الذي قاوم العواصف
-
الدوري الإنجليزي 2025/2026.. نوتنغهام فورست: الأسطورة النائمة التي لم تُنسَ

مشروع الملعب الجديد وتطوير البنية التحتية
يلعب خيتافي في ملعب كوليسيوم ألفونسو بيريز (Coliseum)، الذي بدأ تطويره رسميًا منذ عام 2024،
ليشمل تغطية المدرجات وتوسعة السعة إلى أكثر من 18 ألف متفرج بحلول 2027.
وقد قررت الإدارة إزالة اسم “ألفونسو بيريز” من الاسم الرسمي بعد تصريحات مثيرة للجدل من اللاعب، ليُعرف الآن فقط باسم “Coliseum”.
تحديات الملكية والخطط المستقبلية
في عام 2025، بدأت أخبار تظهر حول اهتمام مجموعة Fenway Sports Group (المالكة لنادي ليفربول) بشراء خيتافي كجزء
من استراتيجية الملكية متعددة الأندية. ويُتوقع أن تحدث هذه الصفقة تغييرًا جذريًا في مستقبل النادي، خصوصًا مع تخطيط
الرئيس الحالي أنخيل توريس للتنحي بعد اكتمال مشروع الملعب.
هوية خيتافي المستقلة في الدوري الإسباني
رغم حجمه المتواضع، أثبت خيتافي أنه ليس مجرد فريق تابع للعاصمة، بل نادٍ يتمتع بهوية قتالية خاصة، وقدرة على فرض الاحترام أمام الكبار.
إنه نادي المشاكسات، والمفاجآت، والبقاء رغم العواصف. ومع مستقبل مفتوح على مشاريع كبرى، يبدو أن خيتافي سيواصل
لعب دوره كأحد أكثر الأندية الإسبانية إثارة للدهشة… والتقدير.




